كسوف الشمس و خسوف القمر:
إذا أدركنا أن كواكب المجموعة الشمسية و أقمارها، و منها الأرض و القمر، عندما تلتقي أشعة الشمس بأحد جوانبها تتكون لها ظلال في الجانب المعاكس، و أدركنا معها أن القمر يدور حول الأرض أمام الشمس، و أنه في أحد أوضاعه يكون بين الأرض و الشمس، و أنه في وضع آخر تقع الأرض بينه و بين الشمس، استطعنا أن نستنتج أن مخروط ظل القمر إذا وصل إلى الأرض فإنه يحجب عنها ضوء الشمس و يحدث ما يعرف بكسوف الشمس. و أن نستنتج كذلك أن مخروط ظل الأرض إذا غمر القمر فإنه يحجب ضوء الشمس عن القمر و بذا يختفي، فيحدث ما يعرف بخسوف القمر. الشكل رقم (11) خسوف القمر
Text Box:
فالخسوف بعبارة أخرى هو تعتيم القمر أو جزء منه نتيجة لسقوط ظل الكرة الأرضية عليه عندما تقع بينه و بين الشمس. و يصل طول ظل الأرض إلى 000 382 1 كيلومتر في المتوسط، و يبدو من الرقم الدال على متوسط طول ظل الأرض انه يساوي ثلاثة أمثال طول المسافة بين القمر و الأرض، و لذلك فإن الظل يصيب القمر إذا كان في نفس اتجاه الظل. و يبلغ اتساع ظل الأرض في المنطقة التي يمكن أن يحدث فيها خسوف القمر حوالي 9170 كيلومترا.
وقد يكون الخسوف كليا إذا وقع القمر بأكمله في مخروط ظل الأرض أو جزئيا إذا كان ظلها يغطي جزءا منه فقط. و لا يحدث الخسوف إلا إذا كان القمر بدرا و قريبا من إحدى عقدتيه التي يقطع فيها مداره مستوى دائرة الكسوف و الخسوف l’écliptique ،أو كما تسمى أيضا دائرة فلك الشمس (و هو الخط الذي تسير فيه الشمس ظاهريا خلال السنة.) ونظرا لكون مدار القمر يميل عن مستوى دائرة الكسوف و الخسوف بمقدار 5° و9َ فإن وقوع القمر في إحدى العقدتين لا يتحقق مرة كل شهر كما يمكن أن يتوقع الإنسان وإنما في حالات معينة فقط.
والجير بالذكر أن موقع القمر في إحدى العقدتين يجعل مراكز كل من الشمس و الأرض و القمر تقع على نفس الخط. فلحدوث ظاهرة الكسوف الشمسي و الخسوف القمري إذن لا بد من توافر شرط أساسي هو وقوع مراكز الشمس و الأرض و القمر جميعا على خط واحد.
و يستغرق الخسوف الكلي عادة حوالي ساعتين. و في هذا الخسوف تبدو منطقة شبه الظل (و هي المنطقة المحيطة بمنطقة الظل نفسها) معتمة بحيث لا تكاد ترى إلا بصعوبة. الشكلان رقم ( 12 أ ، 12 ب ) العقدتان
الشكل رقم (12أ) العقدتان
الشكل رقم (12) تقاطع مداري الشمس و القمر في العقدتين
أما كسوف الشمس فلا يحدث إلا عند ظهور الهلال في أول الشهر أو منتصفه حين تكون الأرض و القمر و الشمس في اتجاه واحد، (و هذا لا يعني دوما وقوع مراكز الأجسام الثلاثة على استقامة واحدة)، ولكن القمر حتى و هو في هذه الوضعية لا يعترض دوما أشعة الشمس المتجهة إلى الأرض ، فهو يمر تحتها أو فوقها لكنه في بعض الحالات أي عندما تكون مراكز الأجسام الثلاثة على نفس الاستقامـة ( وهي الوضعية التي لا تتحقق إلا إذا كان القمر في إحدى العقدتين ، كما هو الحال بالنسبة للخسوف تماما ).
يعترض جزءا من هذه الأشعة فيسبب كسوف الشمس. و يتوقف مقدار الكسوف على ما يمنعه جسم القمر من أشعة الشمس. فقد يكون الكسوف كليا إذا حجب ظل القمر قرص الشمس كله، أو جزئيا إذا حجب جزءا منه فقط، أو حلقيا إذا ظهر قوس الشمس وحوله حلقة دائرية مضيئة. الشكل رقم (13) كسوف الشمس.
Text Box:
و سواء تعلق الأمر بالكسوف الكلي
أو الحلقي ، فإن مسار الظل الذي ينتهي به مخروط الظل على الأرض تحيط به منطقة ظل أخرى ذات مساحة كبيرة تسمى منطقة شبه الظل و منها يرى الناس الكسوف جزئيا، فلا يحجب القمر من قرص الشمس إلا جزءا فقط.
و كسوف الشمس أكثر حدوثا من خسوف القمر، و مع ذلك فإن عدد المرات التي يمكن مشاهدته فيها أقل من عدد المرات التي يشاهد فيها خسوف القمر لأن الكسوف لا يظهر إلا في منطقة صغيرة جدا بسبب تناقص مساحة مقطع مخروط ظل القمر بسرعة في الحافة المحصورة بينه و بين الأرض. و يؤدي ذلك إلى أن الكسوف الكلي لا يرى إلا في شريط ضيق على سطح الأرض ، إذ أن قطر مخروط الظل الذي يسبب هذا الكسوف يبلغ 136 كيلو مترا فقط. و لا شك أن صغر المنطقة التي يظهر فيها الكسوف الكلي في مكان ما هو السبب في قلة مشاهدته ، حتى أنه يعتبر من الأحداث الفلكية النادرة التي ينتقل الفلكيون من مختلف بلاد العالم لرصدها في المنطقة التي ينتظر حدوثها فيها. و لئن كان الخسوف الكلي للقمر يستمر ساعتين فإن الكسوف الكلي للشمس لا يزيد عن 7 دقائق و 2/1 على الإطلاق و عادة تكون المدة أقصر من ذلك أي في حدود خمس دقائق فقط.
المد و الجزر:
يلاحظ سكان المدن الساحلية ظاهرتي المد و الجزر بوضوح، و لا سيما على شواطئ البحار الكبيرة و المحيطات الواسعة. و المد هو ظاهرة ارتفاع الماء أما الجزر فهو ظاهرة انخفاضه. و لا شك أن ارتفاع و انخفاض الماء ليس معناه ارتفاع و انخفاض الموج، بل المقصود به منسوب المياه نفسه.
و تبدو ظاهرتا المد و الجزر بوضوح على شواطئ المحيطات ، كشاطئ إنجلترا و أمريكا مثلا، إذ يبلغ الارتفاع عدة أمتار، أما على شواطئ البحار المغلقة فلا يتجاوز جزءا من المتر. و يتم كل من المد و الجزر تدريجيا، بمعنى أنه لا يرتفع مستوى المياه أو ينخفض فجأة و لكن يحدث بالتدريج.
و حدوث المد مرجعه إلى قوة التجاذب التي بين القمر و الأرض كجسمين ضخمين، تتناسب قوة التجاذب بينهما عكسيا مع مربع المسافة بينهما، و طرديا مع كتلتيهما، حسب قانون نيوتن.
فتعمل قوة جاذبية القمر على تحريك الماء الذي على سطح الأرض في المناطق المواجهة له و محاولة جذبه إليه لأن الماء أيسر حركة و أطوع في انتقاله من مكان لآخر أكثر من اليابسة.و نظرا لأن الماء الذي يحتويه وعاء المحيط أو البحر محدود فإن ارتفاعه في مكان ما تحت تأثير القوة الجاذبية معناه أنه لابد أن ينحسر أو ينخفض في مكان آخر و معنى ذلك أن المد عند وجوده في مكان ما لابد أن يقابله جزري مكان آخر. ( الشكل رقم (14) المد و الجزر )
Text Box:
ففي الشكل رقم ( 12 ) إذا حدث مد عند (أ) أقرب نقطة على الأرض من القمر نتيجة لقوة جاذبية القمر للأرض فإن الماء لابد أن ينحسر عن النقطتين (ج) ، (د) و في الوجه المقابل تكون قوة الجاذبية عند النقطة (ب) أقل منها عند الجانبين (ج) و (د). لذلك ينحسر الماء عن (ج ، د) و يجتمع عند (ب) فيحدث مد آخر في الناحية المقابلة.
و دورة المد و الجزر اليومية تحدث في صورة مدين و جزرين كل يوم لأن حركة القمر الظاهرية حول الأرض أنه يدور دورة كاملة كل 24 ساعة و 50 دقيقة.
و يتدرج حدوث المد بحيث يتأخر ساعة تقريبا عن اليوم السابق ( 50 دقيقة بالضبط ). و على ذلك فالمد و الجزر يتعاقبان كل 14 يوما أو 28 يوما . مما يبرهن على أن حدوثهما مرجعه إلى القمر.
و ما دام المد و الجزر يحدثان نتيجة الجاذبية بين القمر و الأرض فليس لنا أن نتجاهل أثر الجاذبية بين الشمس و الأرض و ما قد يحدثه على هاتين الظاهرتين. فإذا حدث أن كانت قوة جاذبية الشمس للأرض في نفس اتجاه قوة جاذبية القمر للأرض، فإن ارتفاع المد يزداد و ينخفض الجزر إلى أدنى حد ممكن لأن القوتين تؤيدان بعضهما و يحدث ذلك عندما يكون القمر بدرا أو في المحاق، و يسمى عندئذ المد الأعلى. أما عندما يكون القمر في أحد التربيعين : الأول أو الثاني فإن القوتين تتعامدان و تقلل قوة جذب الشمس للأرض من قوة جذب القمر للأرض . فيقل مستوى ارتفاع المد و يسمى عندئذ المد الأدنى ( أنظر الشكل رقم 12)
و ظاهرتا المد والجزر لهما أثر كبير على حياة كثير من المدن و كثير من الناس. و نظرا لعلاقتهما بنظم الملاحة البحرية فلا بد أن يعرفهما الملاحون البحريون بدقة و خاصة قبل الدخول أو الخروج في أي ميناء. و لذلك تنشر عنهما النشرات و الخرائط . و فضلا عن ذلك فإن لهما ارتباطا وثيقا بعمليات صيد الأسماك ، و لهما الفضل كذلك في تطهير الشواطئ من الفضلات التي تتجمع عليها. و هناك اتجاهات حديثة لاستغلال ظاهرة المد في عمليات توليد الكهرباء كمصدر هيدرولوجي للطاقة، إذ يمكن بواسطته تحريك مولدات الكهرباء.
ومن المهم أن يفهم الجغرافي حركات المد المحيطية و تيارات المد و الجزر، لأنه يهتم بجغرافية السواحل و أشكال الشواطئ و التجارة المحيطية و نظم الملاحة في الموانئ و عمليات استصلاح الأراضي، و غيرها من الموضوعات التي تدرس النشاط البشري قرب السواحل و عليها. و رغم أن حركات المد و الجزر لا تكاد تعني شيئا لسكان داخل القارات فإن تأثيرها مستمر و حيوي بالنسبة لسكان السواحل.